الجوع يزحف والخبز يبتعد... غزة في مرمى الألم

Trending|28/07/25
الجوع يزحف والخبز يبتعد... غزة في مرمى الألم
طفل يصرغ أثناء حصوله على حصته الغذائية في إحدى نقاط التوزيع بالقطاع
  • الخبز في القطاع بات حلما على وقع الجوع المتفشي
  • القطاع رسالة صبر سطورها إرادة وتحدٍ

في غزة، لا يُقرَع جرس الموت بصوتٍ عالٍ، بل يأتي خافتًا، زاحفًا كظلٍ ثقيلٍ يتسلل في عتمة الليل، يختبئ بين ضلوع طفلٍ يئن جوعًا، وبين عين أمٍ تنظر إلى صغيرها وتتمنى أن تكون وجبتها الأخيرة من نصيبه.

اقرأ أيضاً : حين بكت لندن بصمت غزة... مشهد لن ينسى- صور

الخبز صار حلمًا، والحليب صار أمنية بعيدة، والماء النظيف ترفًا لا يليق بفقراء الحصار.. هناك حيث تتآكل الأجساد بصمت، ويذوي الأمل كما تذبل الزهرة إذا حُرِمت من النور.

قلوب مكسورة

أصوات البكاء في غزة لا تأتي من الفقد وحده، بل من قلوب تنكسر كل يوم على مرأى الجوع الذي ينخر الأرواح قبل الأجساد. في ركنٍ من زقاقٍ متهالك، جلس طفلٌ يحمل قطعة خبزٍ يابسة، يقسّمها إلى فتاتٍ صغيرة ويقول لأخته: "هكذا نأكل أكثر." أي موت هذا

الذي يجعل الأطفال يتقنون فنون التقشف قبل أن يتعلموا الحروف؟! أي حياة هذه التي تدربهم على الجوع بدلًا من اللعب والضحك؟!

أجسادهن أحمال من الوجع

تسير الأمهات في غزة بخطى متعبة، يحملن أجسادهن كأنها أحمالٌ من الوجع، لا يبحثن عن طعامٍ فحسب، بل عن معجزة.

المعونات لا تكفي، والصمت العربي يخنق، والموت يراقب من خلف كل زاوية، يتربص بالجياع كما يتربص الذئب بالحَمَل. أحدهم قال: "نموت ببطء، لا أحد يسمع أنيننا، ولا أحد يرى انطفاءنا." ولكن هل يُسمَع الجوع في عالمٍ أصمّ؟ هل تُرى الدموع إذا لم تُبث

على الشاشات؟

غزة قصة حياة رغم انعدامها

وفي المقابل، نجد خيمة مهترئة على أطراف المخيم، تحت سقف من قماش ممزق، كانت هناك امرأة تشهق باكية، وهي تنظر إلى ابنها الذي فقد وعيه من الجوع، قالت وهي تهز جسده النحيل: "اصحَ يا روحي، اصحَ، لقد وعدتك أن نحصل على علبة تونة غدًا..."

لكنها تعرف في أعماقها أنه لا غد هنا. الجوع يسرقهم واحدًا تلو الآخر، والوعود تنكسر عند أبواب المخازن الفارغة.

غزة، هذه الأرض التي عانقت الحصار حتى صارت ضلوعها تشبه قضبان السجن، تُنجب كل يوم قصة وجع جديدة. وجوه الأطفال باتت باهتة كأنها لوحات رسمها الحزن، والرجال يقفون في طوابير طويلة، لا ليشتروا، بل ليحلموا بالحصول على ما يسد رمق يوم.

الموت في غزة لا يأتي سريعًا، بل يزحف ببطء، يجر أذيال الحزن خلفه، ويُبكي العيون التي جفّت من الانتظار. إنها مجزرة صامتة، يرتكبها الجوع على مرأى من العالم.