من قلب الألم تولد الحياة.. غــزة تكتب فصلها الجديد

Trending|20/10/25
من قلب الألم تولد الحياة.. غــزة تكتب فصلها الجديد
أحد الباعة يرفع مجموعة من الموز في سوق بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة
  • غزة تستنهض أبنائها على وقع الالم المغموس في نفوسهم
  • شموخ الغزيين يزيدهم عظمة وقوة أمام حرب استنزفتهم

ها هي غزة تبدأ ببطءٍ في التقاط أنفاسها بعد شهورٍ طويلة من الخوف والجوع والدمار، وتتسلل الحياة من بين الركام كما تتسلل خيوط الفجر من بين الغيوم، تحمل معها شيئًا من الطمأنينة التي نسيها الناس منذ زمن.

اقرأ أيضاً : أم تخمد وجع ابنتها.. حين تمسح الشمس دموع غزة

الشوارع التي كانت صامتة تهمس اليوم بأصوات المارة، والأسواق تستعيد بعضًا من ضجيجها القديم، وإن كان محمّلًا بالحذر والذكريات الثقيلة.

فرحة مغموسة بالحزن

في دير البلح، يقف الباعة على أبواب محالهم، يرفع أحدهم يده محمّلة بعناقيد الموز كمن يرفع راية الحياة في وجه الموت، فتلتقي الأعين في صمتٍ طويلٍ مليءٍ بما لا يُقال؛ فكل ابتسامة تحمل خلفها قصة نجاة، وكل ضحكة تخفي وجعًا لا يُروى. الناس هنا يفرحون لأنهم ما زالوا أحياء، لكنهم يفرحون

بحذرٍ، كأن قلوبهم لم تتعلم بعد كيف تثق بالأمان.

الأطفال يركضون في الأزقة، تتعثر ضحكاتهم بأحجارٍ لم تُرفع بعد، ويستوقفهم أحيانًا ظلّ بيتٍ تهدّم أو اسمٍ محفورٍ على الجدار.

ورغم كل ذلك، تبقى ضحكتهم وعدًا بالحياة، تنبت في أرضٍ أرهقها البكاء. الأمهات يتبادلن التحايا بنظراتٍ خافتة، تتأرجح بين الحمد والحنين، بين الخوف والرجاء.

اختلاط رائحة الخبز برائحة البارود

في كل زاوية من المدينة، تختلط رائحة الخبز الطازج برائحة البارود العالقة في الهواء. هنا فرحة لا تشبه أي فرحة؛ فرحة مشوبة بالحسرة، تُذكرهم بمن رحلوا قبل أن يروا هذا الهدوء المؤقت. ومع كل لقمة، ومع كل نسمة بحر، يمرّ طيف الغائبين في الذاكرة كنسمةٍ دافئةٍ من زمنٍ بعيد.

ورغم الوجع العالق في الصدور، تبقى غزة كما عرفها العالم: مدينة عنيدة تأبى الانكسار. تضحك رغم الدموع، وتزرع الأمل في تربةٍ امتلأت بالدمع. وفي وجه العتمة، تهمس غزة للعالم: ما زلنا هنا، نعيش، ونحلم، ونؤمن بأن الحياة، مهما أوجعتنا، تستحق أن تُعاش.