البحر يرثي غزة ويسلم على أبنائها الأشاوس

- غزة رسالة نضال عنوانها الصمود
- الغزيون نيشان فخر على صدر العالم
على امتداد الساحل الغزي، يقف طريق الرشيد شاهدًا صامتًا على وجع مدينة أنهكتها الحرب، كانت هذه الطريق يومًا ما شريانًا للحياة، يربط البحر بالبيوت، والناس بالأمل. واليوم، صار البحر نفسه يهمس بحزنٍ عميق، ملامسًا بأنامله المالحة حجارةً متفحمة وأحلامًا انطفأت تحت الأنقاض.
اقرأ أيضاً : كسرة خبز في زمن الحرب.. وجوه صغيرة تكافح للبقاء
الأمواج، التي اعتادت أن تحمل أصوات الصيادين وضحكات الأطفال، باتت اليوم تعانق الدمار. ترتطم بحجارةٍ تكسّرت كما تكسرت قلوب أهلها، وتعود لتغسل الغبار عن ذاكرة المدينة، كأنها تحاول عبثًا أن تُعيد إليها الحياة. في كل موجةٍ صاعدة، حكاية فقدٍ جديدة، وفي كل انحسارٍ، تنهيدةُ أمٍ تنتظر من لن يعود.
أطياف تحرس المكان
الهواء مشبع برائحة الرماد والملح، والمباني المنهارة تصنع ظلالًا طويلة مع غروب الشمس، كأنها أطيافٌ تحرس المكان. أطفالٌ يمشون حفاةً بين الركام، يجمعون شظايا الزجاج لا ليلعبوا، بل ليبنوا منها نافذةً تطلّ على الغد. ومن بعيد، يرتفع الأذان من مسجدٍ فقد مئذنته، فيختلط صوته بصوت البحر، في مشهدٍ يختصر
معنى البقاء.
رغم كل هذا الخراب، هناك نبضٌ خفيّ يسري في المكان. نساءٌ يوزعن الخبز بابتساماتٍ متعبة، رجالٌ يعيدون ترتيب الحجارة ليقيموا منها مأوى، وشمسٌ تشرق كل صباح كأنها تصرّ أن تُذكّرهم بأن الحياة، مهما انكسرت، لا تموت.
وفي آخر الطريق، حيث ينتهي الركام ويبدأ الأفق، تمتدّ يد البحر لتحتضن المدينة الجريحة. كأن الأمواج تقول لها: "لا تخافي، أنا هنا، سأغسل جراحك كل مساء، حتى يزهر الرمل من جديد".
