أغصان ورماد.. براءة تصارع ويلات الحرب

- عامان من الحرب استنزفت قلوب الغزيين
 - غزة بين ألم الفقد وحسرة المشهد
 
في قرية جحر الديك شرق مخيم البريج، يتحرك أطفال صغار بين الركام، يجمعون الأغصان والعيدان بأيديهم الصغيرة ليصنعوا منها نارًا تطهو ما تيسّر لأسرهم من طعام.
اقرأ أيضاً : كسرة خبز في زمن الحرب.. وجوه صغيرة تكافح للبقاء
لا وقود، ولا كهرباء، ولا غاز… فقط رماد الحرب الذي غطّى وجه الأرض وأحلام الطفولة. مشهدٌ يُختصر فيه وجع غزة اليوم، حيث أصبح البقاء على قيد الحياة معركة يومية لا تقلّ قسوة عن ويلات القصف.
بعد عامين من الحرب، لم يعد في غزة ما يشبه الحياة العادية، الطرقات مدمّرة، والمدارس تحوّلت إلى ملاجئ مكتظّة، والمستشفيات تنزف عجزًا وألمًا.
أكثر من 61 مليون طن من الركام تغمر القطاع، فيما تُدفن تحتها ذكريات وبيوت وأسماء كانت يومًا تنبض بالحياة. أما الخدمات العامة، فقد شُلّت تمامًا، تاركة الناس في مواجهة البرد والجوع والظلام.
خوف وألم وقهر
في أزقة المخيمات، تتناقل الأمهات ما تبقّى من طعام بين الجيران، ويتشارك الأطفال ضوء شمعة واحدة للدرس أو اللعب. لا شيء هنا مجاني سوى الخوف، ولا حديث يعلو على السؤال ذاته: متى تنتهي الحرب؟ ومع ذلك، يصرّ الغزيون على الحياة، يرممون
الأمل من بقايا الألم، ويزرعون في قلوبهم صبرًا بحجم الحصار.
المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة تطلق نداءً تلو الآخر، مطالبةً بمرور المساعدات، بالغذاء والدواء والوقود. لكنّ الاستجابة بطيئة، والمأساة تتسع كل يوم. في المقابل، تُحمّل إسرائيل مسؤولية النقص لما تسميه “سوء إدارة الإمدادات والنهب”، بينما الحقيقة
تبقى أن آلاف الأرواح تُختبر يوميًا على حافة الفقد.
ورغم كل ذلك، تبقى غزة شامخة كعادتها. مدينةٌ صغيرة، لكنها كبيرة بحجم الحكاية، تصنع من الألم هوية ومن الصمود سلاحًا. هناك، بين الركام، يواصل الأطفال جمع الأغصان، لا ليشعلوا نارًا للطهي فقط، بل ليضيئوا بها ذاكرة العالم الغافل، علّه يتذكر أن في
غزة أناسًا ما زالوا يقاتلون من أجل أبسط حقّ… أن يعيشوا.
