هنا أرض العزة.. وجع الجوع وكرامة لا تموت

Trending|22/10/25
هنا أرض العزة.. وجع الجوع وكرامة لا تموت
أطفال ينتظرون الحصول على وجبات طعام في مخيم النصيرات
  • الجوع ينهش أهالي القطاع على وقع الحسرة والألم
  • مشاهد قاسية تحاصر القطاع المكلوم

في مخيم النصيرات، حيث تتقاطع رائحة التراب مع أنين الجوع، يصطف العشرات من الأطفال والنساء أمام مطبخ خيري صغير، كمن يبحث عن بصيص حياة وسط الركام. الوجوه شاحبة، والأنفاس متقطعة، والنظرات ممتلئة بحسرةٍ بلغت عنان السماء.

هناك، لا يسمع سوى همسات الانتظار وصوت الأواني حين تلامس القدور، كأنها تدق أبواب الرحمة.

اقرأ أيضاً : ارتقاء أحمد أبو مطير.. الكلمة الأخيرة كانت صورة والصورة كانت وداعًا

يمتد الأطفال بأيديهم النحيلة نحو الوعاء، علّهم يظفرون بوجبة ترد عنهم وخز الجوع لساعات. أجسادهم الهشة ترتجف، وعيونهم المتعبة تبحث عن دفءٍ غائب منذ زمن، عن حضنٍ فقدوه، وعن حياةٍ سرقها الحصار والقصف والحرمان. في كل وجهٍ حكاية، وفي كل

نظرةٍ وجعٌ أعمق من الكلمات.

بكاء بصمت

تتحرك المتطوعات بخطواتٍ هادئة، يوزعن الطعام كمن يوزع الرحمة، ووجوههن تشي بعجزٍ لا يُخفى، فهنّ يعرفن أن القدر لا يكفي للجميع، وأن خلف كل طفلٍ ينتظر، هناك أمّ تبكي بصمتٍ على من لم يصله الدور بعد. بين الدخان الصاعد من القدور تختلط

رائحة العدس بدموعٍ حارة لا تراها الكاميرات.

لكن رغم هذا المشهد الموجع، يبقى هناك ما يضيء المكان، فكل طبقٍ يُقدَّم يحمل في داخله معنى العطاء، ويذكّر بأن الخير ما زال يتنفس حتى في قلب الخراب. هؤلاء الأطفال، برغم جوعهم، يبتسمون حين تُملأ أيديهم القليلة بما يسد رمقهم، وكأنهم يعلنون أن الحياة

لا تزال ممكنة.

وفي نهاية اليوم، حين يُغلق المطبخ أبوابه، يبقى الأثر في النفوس. يبقى صدى الخطوات الصغيرة التي رحلت وشكرٌ خافت خرج من فم طفلٍ بالكاد يتكلم. في النصيرات، لا تُوزع وجبات فحسب، بل تُوزع معها كرامةٌ مؤجلة، وإنسانيةٌ تحاول أن تبقى حيّة وسط هذا

الخراب الكبير.