بغيابك" .. ريمونتادا موسيقية بنكهة "أوتوستراد"

في عودة اختيارية إلى موسيقى الجيل، أطلقت فرقة أوتوستراد أغنيتها المنفردة الجديدة "بغيابك"، عبر قناتها على اليوتيوب ومنصات الاستماع الأخرى.
كتب كلمات الأغنية الكاتب ياسر قبيلات بمشاركة أفراد الفرقة أنفسهم.
وبمزيج بين أسلوب البوب والإيقاع الشرقي الذي ساد في أغنيات التسعينيات، تتخذ أغنية "بغيابك" ملامحها، فيما عمدت الفرقة إلى منحها لمسة معاصرة عبر استخدام الموسيقى الإلكترونية، والإيقاع الحيوي المتسارع للغناء، مصحوباً بأداء صوتي شجيّ.
لم تتخلّ الفرقة الأردنية الشهيرة عن هويتها الموسيقية التي رافقتها منذ تأسيسها في 2007، لكنّها استلهمت في هذه الأغنية روح موسيقى الجيل، التي بدأت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، واستمرت حتى نهاية التسعينيات منه، وهي المرحلة التي قادها باقتدار الملحن والموزع الموسيقي حميد الشاعري، بصحبة عشرات الأصوات من مختلف أرجاء الوطن العربي، ومئات الأغاني التي لا تزال تحتفظ بذكرياتها بين أبناء ذلك الجيل.
اقرأ أيضاً احمد سعد يبتكر رقصة جديدة ويعتزل بعدها الرقص
وإن كان مصطلح "ريمونتادا" يستخدم في كرة القدم على وجه الخصوص، إشارة إلى العودة بالتفوق والانتصار على الخصم، فإنها في أغنية "بغيابك" ريمونتادا مزدوجة، فهي ـ من جهة ـ ريمونتادا أوتوسترادية تتفوق بها على نجاحاتها السابقة، وتعود إلى هويتها الاستثنائية بعد غياب جزئي فرضته ظروف جائحة كورونا، ومن جهة ثانية، فهي رجوع مظفّر بالذائقة إلى مساحات موسيقية خُيّل للبعض أنها تلاشت من الخارطة الفنية، قبل أن تعلن أوتوستراد عن استمرارية وجود تلك المساحات، بل وتكشف عن مناطق حيوية فيها، قابلة للاستخدام في وقتنا الراهن، وتطويعها بما يتوافق مع أدوات الجيل الجديد، وتطويرها بأوجه مستحدثة لم يسبق لها أن قُدّمت بها.
وتُعدّ الأغنية واحدة من نتائج موجات الإغلاق الكلّي الذي عمّ العالم بأكمله، إثر انتشار جائحة كوفيد-19 بين عامي 2020 و2021، الأمر الذي كان له أثر مباشر في تكوين الأغنية، ابتداء من كلماتها التي ترصد مشاعر الأفراد في حالات الإغلاق والعزل، مروراً باللحن والموسيقى التي صبغت قالبها النهائي.
تتناول الأغنية في كلماتها البسيطة تشريح الحالة العاطفية للغياب، بالأسلوب المختلف الذي تنتهجه أوتوستراد في توظيف الاصطلاحات العامية، التي تلتقطها من الأصوات اليومية في الشارع، والمتداول من الحكي بين الأصدقاء والعشّاق، وهي المعادلة الصعبة التي تنجح أوتوستراد دائماً في حلّها، بالخروج عن الطريقة التقليدية وتحويل العادي من اللغة، إلى التقاطة عاطفية قابلة للتوظيف في العلاقات الإنسانية.
ثمة سوابق تاريخية في تبسيط الكلمة المغنّاة، بدأها سيّد درويش الذي أنزل الأغنية من عرشها المتربّع على الفصحى، وقادها في الحارات الشعبية والأزقة الجانبية، وغنّى أصوات الهامشيين من الناس، ثم محاولات خجولة من الموسيقار محمد عبدالوهاب لم تسِر في المسار ذاته، وصولاً إلى الرحابنة الذين دخلت معهم الكلمة البسيطة منعطفاً آخر في الأغنية، لتصبح أحد ملامحها الرئيسة، وتطبعها بتلك البصمة.
اقرأ أيضاً شبيهة نادين نجيم وفاطمة الأنصاري تشعل السوشيال ميديا
لكننا في 2022 نلمس غياباً واضحاً للمعنى المغنّى، وأغلب كلمات الأغاني ـ إن لم تكن كلّها ـ معبّأة في قوالب جاهزة وباردة، تتكرر المفاهيم ذاتها عن نار الشوق والغرام، والحب الساحر، والعذاب السرمديّ الذي يعيشه المحبّون، بعيداً عن الغوص في التفاصيل والمقاصد، رغم أن العلاقات الإنسانية برمّتها ترتكز على الأثر الذي تحدثه التفاصيل فقط، وهو ما نلمسه في الحِس المعرفي والموسيقي لفرقة أوتوستراد، حيث تزخر الأغنية بقاموس متنوّع، كان ربما ليثقل كاهلها لولا نباهة اللحن ورشاقة موسيقاه، عبر توظيف كلمات غير مألوفة، وربما يُستغرب توظيفها في الأغنية، منها (يتعربش ع شباكي، كمشة آهات، افرش ونام)، على الرغم من أنها ــ إلى جوار هذه البساطة ــ لا تخلو أيضاً من عمق في المعنى، وحداثة في الصورة الشعرية، مثل (تسهر الدنيا على بابي، بغيابك الصيف لبس معطف شتا، والربيع انحرق قلبه).
وسبق لأوتوستراد اختبار ردود فعل الجمهور حول الأغنية، عندما قُدّمت للمرة الأولى على مسرح ساقية الصاوي الثقافي خريف العام الماضي 2021، حيث حظيت بقبول واسع.
الجدير بالذكر، أن الأغنية نُفّذت بموجب اتفاقية تعاون مشترك مع المجمع الثقافي في أبوظبي، والذي يعد أول مركز ثقافي متخصص في الإمارات العربية المتحدة والمنطقة، ويحظى بإشادة إقليمية ودولية باعتباره صرحاً عالمياً للثقافة والفنون، حيث يعنى بالمعارض الفنية، الموسيقى، عروض الفنون الأدائية، إلى جانب اهتمامه بإقامة البرامج التدريبية والورش الفنية والخط العربي