الذاكرة أقوى من الدمار.. حكاية بيت فلسطيني لم تنطفئ رائحته

Trending|09/09/25
الذاكرة أقوى من الدمار.. حكاية بيت فلسطيني لم تنطفئ رائحته
فلسطينية تبحث في أنقاض منزلها المدمر في القطاع
  • تدمير المنازل في القطاع بات مشهد متكرر على وقع مجاعة متعاظمة
  • الغزيون يستذكرون الماضي بحسرة وألم

بين ركام البيت المهدّم، وقفت سيدة فلسطينية مذهولة، تحاول استيعاب ما جرى ، لم يبقَ من منزلها سوى حجارة مبعثرة وأبواب محطمة ونوافذ تناثرت زجاجاتها في كل اتجاه.

اقرأ أيضاً : وجوه النساء الباكيات.. مرايا الحزن في القطاع

المكان الذي كان يحتضن سنوات عمرها، ودفء عائلتها، صار أطلالاً صامتة، يروي قصة قهرٍ لا تنتهي. في عينيها دموع عالقة بين الصدمة والخذلان، وكأنها تسأل نفسها: كيف يمكن للذاكرة أن تبقى حيّة بلا جدران تحفظها؟

رائحة قديمة

وبينما كانت تبحث بعينيها بين الركام، داهمتها رائحة قديمة، رائحة خبزٍ كانت تخبزه لأسرتها في صباحات آمنة، ورائحة قهوةٍ كانت تملأ زوايا البيت بالبهجة، تلك الرائحة لم تكن سوى انعكاس لذاكرتها، تعود لتصطدم بالواقع القاسي الذي سرق منها كل شيء، في لحظة قصيرة، شعرت أن الماضي أقرب إليها من حاضرها

الموجوع، وأن الروائح وحدها قادرة على استحضار حياة لم تعد موجودة.

جلست على حجر مكسور كان جزءاً من جدار غرفتها، تنظر إلى السماء وكأنها تبحث عن عزاء، لم يكن الألم مجرد فقدان منزل، بل فقدان مأوى الذكريات؛ زينة العيد التي كانت تعلقها، وصوت ضحكات الأطفال، وصورة زوجها التي كانت تزين الجدار. كل شيء تحوّل إلى فتاتٍ لا يمكن جمعه، إلى مشهد يصعب وصفه حتى

بالكلمات.

اعتداء على ذاكرة

لم تكن هذه السيدة تبكي بيتها فحسب، بل كانت تبكي جزءاً من روحها. هدم البيت لم يكن جريمة مادية فحسب، بل اعتداء على ذاكرة وكيانٍ كامل، ومع ذلك، وسط هذا الركام، ظل في قلبها إصرار خفي: أن تبقى، أن تعيد البناء ولو بيدين مثقلتين بالحزن. فالأرض التي شهدت هدم بيتها هي ذاتها التي تمنحها القوة لتتشبث بالحياة.

وفي النهاية، أدركت أن ما لا يهدمه الاحتلال هو تلك الرائحة العالقة في ذاكرتها، رائحة الحياة التي لا تنطفئ. ستبقى تتنفس الماضي لتواجه به حاضرها، وتؤمن أن الغد يحمل وعداً بالعودة. فكل رائحة تستحضرها، وكل ذكرى تنبض في وجدانها، هي دليل على أن ما يُهدم بالحجارة لا يمكن أن يُمحى من القلب.