حين يبكي الأفق.. غروب الشمس يرثي جياع غـــزة وأحلامهم

- قلوب من الصبر والإرادة في مواجهة العدوان الغاشم
- الجوع والقهر والحرمان وجوع لعملة الاستبداد
في مساءٍ حزين، تنحني الشمس ببطء خلف المباني المدمرة في غزة، وكأنها تخجل من ضوئها أمام قسوة هذا المشهد،ألوان الغروب التي طالما حملت في طياتها دفء الأمل، باتت اليوم تشبه دموعًا ذهبية تنحدر على وجه السماء.
اقرأ أيضاً : عصا الشيخ وكرامة غزة.. حكاية صبر لا ينكسر
تبكي أولئك الذين حُرموا من أبسط حقوق الحياة بين الركام تتردد صرخات مكتومة، صرخات أطفال جاعوا قبل أن يعرفوا معنى الطفولة، وأمهات يخبئن الألم في صدورهن خشية أن يراه الصغار فينهزموا أمام الحياة.
لوحة حزينة
المدينة التي كانت تنبض بالحياة، تحولت إلى لوحة حزينة مرسومة بلون الغبار ورائحة البارود، كل حجر مكسور يحكي قصة بيت كان يضم عائلة، كل نافذة محطمة كانت تطل على أحلام، وكل طريق مليء بالحفر كان ممرًا لأقدام باحثة عن حياة كريمة. ومع ذلك،
يظل الغروب يزورهم كل يوم، يلوح لهم بألوانه وكأنه يواسيهم بصمت، يخبرهم أن الظلام مهما طال، لا بد أن يعقبه فجر جديد.
بين الركام يجلس رجل مسن، يحدّق نحو الأفق حيث تتوارى الشمس.. وجهه مجعد كأنه خارطة لكل الأوجاع التي مرّت به، وعيناه تتشبثان بآخر خيوط الضوء قبل أن يبتلعها الليل، يتذكر أبناءه الذين فقدهم، بيته الذي كان يضمّ أحلامه، وجيرانه الذين غابوا تحت
الأنقاض. وبرغم ذلك، يبتسم بحزن ويهمس: "سنصمد، لأننا لا نملك خيارًا آخر سوى الحياة".
قلوب مرتجفة
في مكان آخر، تلتحف أم بعباءتها الممزقة، تضم أطفالها إلى صدرها، تراقب الغروب عبر نافذة بلا زجاج، تحاول أن تقنعهم أن الشمس ستشرق غدًا أجمل، وأن الله لا يترك المظلومين. لكن قلبها يرتجف، فهي تعرف أن الغد قد يكون أصعب من اليوم. ورغم ذلك،
تتمسك بكلماتها، لأنها تدرك أن الأمل هو السلاح الأخير الذي لم تُقصف بيوتهم به بعد.
هكذا يبكي الغروب على غزة، لا بدموع الماء بل بدموع الضوء. يبكي على جوعهم وقهرهم، على براءتهم المسلوبة وبيوتهم المهدمة. ومع ذلك، تبقى غزة، كالشمس نفسها، تغيب لكنها لا تموت. خلف كل ليلٍ طويل فجر، وخلف كل جدارٍ مهدّم قلبٌ نابض بالحب
والحياة، فربما ذات يوم، تشرق الشمس هناك لا لتبكي، بل لتضحك مع الأطفال وهم يركضون فوق أرض آمنة، وتغني مع الأمهات أغنية الفرح بدلًا من مرثية الحزن.