غــزة... مدينة تودّع الشمس كل مساء بالدموع

- القطاع قصة نضال سطورها إرادة وكرامة
- الغزيون أحلامهم قطعة خبز وذرة من الأمان
في نهاية كل يوم، حين تهدأ أصوات القصف قليلًا، وتعلو همسات الخوف في صدور سكان غزة، تظهر الشمس من خلف الدمار وكأنها جاءت لتقول شيئًا لا يُقال بالكلمات.
اقرأ أيضاً : غــزة.. الذاكرة التي لا تنام على جوعٍ ولا تصمت تحت القصف
تغرب الشمس خلف الركام، لا هربًا من المشهد، بل وكأنها تمد ذراعيها لتحتضن تلك المباني التي ما عادت تعرف شكلها، تحتضنها بحنان دافئ يعجز عن تقديمه أي كائن على هذه الأرض الجريحة.
الشمس لا تخشى المآسي، ولا تنأى بنفسها عن الألم، بل تقترب أكثر. تمسح بنورها المتعب بقايا الجدران، وتداعب بأسى النوافذ المحطّمة، وتتنقل على سطوح المنازل المنهارة كأنها أمٌ تبحث بين الركام عن ابنٍ ضائع. في لحظات الغروب، لا تبدو غزة وحدها، بل
محاطة بكائن سماوي يحاول أن يُشعرها بأنها لا تزال على خريطة الضوء، وأنها رغم العزلة، لم تُنسَ.
وكأنها تعرف، هذه الشمس، كم من الأرواح المنهكة تنتظر لمسة دفء، أو نظرة رحمة. يعرف الطفل الجائع أن الغروب قد لا يحمل خبزًا، لكنه يحمل شيئًا من الجمال، شيئًا لا تستطيع الحروب أن تقتله. وفي ذلك العناق الصامت بين ضوء الشمس وبقايا المدينة،
سكينة مفاجئة
لحظةٌ من سكينة مفاجئة، لحظة تهمس بأن للوجع نهاية، وأن كل ليل مهما طال، لا بد أن يُهزم بالشمس ذاتها.
ربما لا تستطيع الشمس أن توقف القصف، ولا أن تمحو الجوع، لكنها تواصل حضورها كمن يتمسك بأمل غريب وسط اليأس. حضورها اليومي وعدٌ غير معلن: "سأعود غدًا، وسأظل أضيء هذه الأرض، رغم كل ما يظلمها." في صمتها، صوت أمل، وفي
ضوئها المتكسر فوق الحجارة، رجاءٌ بأن لا تموت الحياة في النفوس كما ماتت في المباني.
وغزة، تلك المدينة التي تعلّمت كيف تحيا بين الأنقاض، تستقبل الشمس كل مساء وكأنها عناقٌ أخير قبل ليلٍ طويل. عناق لا يوقف الألم، لكنه يمنحه شيئًا من المعنى. في ذلك الاحتضان الذهبي، تتجسد إنسانية الكون بأكمله، في لحظةٍ تبدو كأنها تقول: "أنا معكِ، ولو
بنوري فقط".