سورينام.. قصة تحول تاريخي: من منجم المواهب الهولندية إلى التأهل بجهود ذاتية

تعيش جمهورية سورينام، البلد الصغير الواقع في أمريكا الجنوبية، لحظات تاريخية بعدما نجح منتخبها الوطني لكرة القدم في حجز مقعده في الملحق العالمي المؤهل لبطولة كأس العالم 2026.

اقرأ أيضاً: التعادل السلبي أمام مالي ينهي معسكر "النشامى" في تونس

هذه القصة ليست مجرد تأهل كروي، بل هي انعكاس لتحول جذري بدأ من رحم المعاناة الاستعمارية وتوج بجهود ذاتية لتحقيق حلم طال انتظاره منذ عقود.

منشأ الأساطير وعلاقة الاستعمار القاسية

ارتبط اسم سورينام لعقود طويلة بكرة القدم الهولندية، حتى أن البعض كان يقول أن كرة القدم في هولندا ما كانت لتكون موجودة لولا وجود سورينام.

هذا الارتباط يعود إلى أن سورينام، التي استقلت عن هولندا عام 1975، كانت منجماً لا ينضب للاعبين بالنسبة للمنتخب البرتقالي.

أجيال كاملة شكلت العمود الفقري لمنتخب هولندا هي في الأصل من سورينام، ومن أبرزهم: رود خوليت، فرانك ريكارد، كلارنس سيدورف، إدغار ديفيدز، جيني فينالدوم، فيرجيل فان دايك، وباتريك كلويفرت.

هذا التدفق الهائل للمواهب كان نتيجة لسياسات الاستعمار القاسية وسحب الموارد، حيث غادر ما يقارب 200 ألف شخص إلى هولندا، وتمت الإشارة إلى أن الحصول على الجنسية الهولندية كان أسرع من "شرب الماء" في سورينام.

وعلى الرغم من أن هذا الجيل الذهبي كان بمقدوره تشكيل منتخب عالمي لسورينام، إلا أن حلم الدولة الصغرى ظل يخدم قوة استعمارية سابقة.

الثورة التكنولوجية في 18 شهراً: تحديث وإغراء المواهب

منذ حوالي أربع سنوات، كانت فكرة تأهل سورينام تبدو مستحيلة، حيث كشف رئيس الاتحاد، برايان تيفيردين، أنهم لم يكونوا يمتلكون حتى "الكرات المناسبة للتدريب".

لكن خلال الـ 18 شهراً الماضية، أطلق الاتحاد ثورة حقيقية ارتكزت على:

• التحديث المؤسسي: تطوير شامل للاتحاد والبنية التحتية.
• التحليل (Analytics) والكشّافة: استخدام التكنولوجيا لتحديد المواهب.
• الاستقطاب (Recruitment): إقناع اللاعبين الهولنديين ذوي الأصول السورينامية بتمثيل منتخب بلادهم الأم، مستغلين حلم اللعب باسم "الوطن الأم".

هذا التحول قاد المنتخب، المصنف حالياً 126 عالمياً، ليصبح قاب قوسين أو أدنى من حلم المونديال.

الإنجاز الحالي: حجز مقعد في الملحق العالمي

في ختام الدور الثالث من تصفيات الكونكاكاف المؤهلة لمونديال 2026، نجحت سورينام في حجز مقعدها في الملحق العالمي، بعد منافسة قوية في المجموعة الأولى.

وعلى الرغم من خسارتها الأخيرة أمام غواتيمالا، إلا أن تفوق بنما على السلفادور جعل بنما تتصدر المجموعة، فيما تأهلت سورينام كأحد أفضل فريقين في المركز الثاني على مستوى مجموعات الكونكاكاف.

وتستمر أحلام سورينام، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 600 ألف نسمة، في أن تحقق إنجازاً غير مسبوق في الملحق العالمي، لتصبح الدولة الأقل تصنيفاً التي تتأهل للمونديال على الإطلاق.

ومن المقرر أن تخوض سورينام منافسات الملحق العالمي التي ستجرى قرعتها الخميس لتحديد مصيرها ومسارها نحو حلم الـ 2026.