حين ينهش الجوع جسد طفــلة وتغتال الحرب ذكرياتها

- الألم والحزن يسيطران على القطاع المتألم
- أطفال القطاع بين الجوع والحرمان
في زاوية بين الركام، جلست طفلة صغيرة تحتضن دميتها البالية، تلك التي لم تفارقها منذ أن بدأت تفهم معنى الأشياء، كانت عيناها مبللتين بالدموع، ووجهها الصغير المرهق يحكي حكاية لم تكن تستحق أن تكون بطلتها. لم تعد جدران المنزل تحميها، فقد تحولت إلى أنقاض متناثرة بفعل العدوان، ومعها تهاوت تفاصيل طفولتها
البسيطة.
اقرأ أيضاً : وجع يمشي على الأرض وركام يحكي قصة شعب موجوع
كانت الدمية بين ذراعيها أشبه بآخر ما تبقى لها من عالمها القديم؛ عالمٍ كانت فيه ضحكاتها أعلى من أصوات القصف، لكن الآن، لا تسمع سوى صدى أنينها وصوت الريح وهي تعصف بالغبار، ضمت لعبتها بقوة وكأنها تحاول أن تستعيد من خلالها ما سرقته الحرب من أمان وسكينة.
جوع وقهر
بطنها الصغير كان يصرخ جوعًا، والألم ينهش جسدها الهزيل، فتعلو أصوات أمعائها كأنها نذير آخر على قسوة الواقع. لم تجد ما يسد رمقها سوى الصبر، ولم يعد لديها إلا دموع تنساب بصمت على وجنتيها الملوّثتين بالغبار.
كانت تدرك، رغم براءتها، أن العالم تجاهل جوعها كما تجاهل وجع أرضها، ومع كل زفرة حزن، كانت تستعيد صور ألعابها التي دفنتها الغارات تحت الركام. تذكرت كيف كانت تصفها بجانب بعضها، وكيف كانت تضحك وهي تخاطبها كأنها صديقاتها. لكنها الآن صارت جزءًا من الماضي، الماضي الذي تلاشى تحت أقدام
العدوان، تاركًا مكانه مساحة فارغة لا يملؤها إلا الألم والحرمان.
وهناك، وسط هذا الخراب، بدت الطفلة كرمز لكل براءة مصلوبة على جدار الحرب، لم تطلب شيئًا سوى بيت صغير يعيد إليها شعور الأمان، ووجبة تسكت صرخات بطنها، ولعب قليلة تملأ يومها بالضحك بدل الدموع. كانت صورتها، وهي تعانق دميتها البالية، رسالة صامتة للعالم بأن طفولة بأكملها تُذبح في وضح النهار.