حين تتكلم الدموع.. طفلة تحارب الجوع بجسدها الموجوع

- المجاعة في القطاع قصة ألم ووجع في سطور أيامهم المؤلمة
- مشاهد مؤلمة باتت تسيطر على القطاع المحاصر
في زقاق ضيق وسط مدينة غزة، وقفت فتاة صغيرة، لا يتجاوز عمرها عشرة أعوام، تلتف حول جسدها النحيل قطعة قماش باهتة اللون، كانت عيناها الكبيرتان تلمعان بالدموع وهي تحاول التقدم وسط الزحام نحو طاولة التوزيع،
حيث تُسكب الوجبات المطهية في أوعية بلاستيكية قديمة، لم تكن دموعها دموع طفل اعتاد البكاء عند الحزن العابر، بل كانت دموع جوع وحرمان امتدت أيّامه حتى صارت جزءاً من ملامحها.
اقرأ أيضاً : في غزة ..ظل الأشجار المتبقية ملاذ الأرواح المتعبة
حولها كان العشرات ينتظرون في صمت ثقيل، يحملون أوعية وصحونًا مهترئة، بعضهم يضم أطفاله إلى صدره خشية أن يضيعوا وسط الازدحام.
أصوات الملاعق المعدنية وهي تطرق على حواف القدور امتزجت بصوت بكائها، وكأنها موسيقى حزينة تحكي حكاية غزة التي تصحو وتنام على وقع الجوع والخوف. كل خطوة كانت تخطوها نحو الطاولة كانت أشبه بانتصار
صغير على الطوابير الطويلة والانتظار المرهق.
طمأنينة مفقودة
لم تكن تلك الفتاة تبحث عن وجبة لملء معدتها فقط، بل كانت تبحث عن طمأنينة مفقودة منذ زمن. ربما كانت تتخيل أن الطبق الساخن بين يديها سيعيد لها شيئًا من دفء البيت الذي فقدته، أو من ضحكات كانت تملأ أيامها قبل أن
يبتلعها الدمار، في عينيها ارتسمت صورة أمها التي تنتظر في المنزل، وأخويها الصغيرين اللذين ناما البارحة جائعين.
لكن حتى لحظة الحصول على الطعام لم تكن سهلة، كان عليها أن تتحمل دفع الأكتاف، وصرخات البعض المستعجلين، ونظرات الخوف التي تحوم في المكان.
محاربة من أجل البقاء
وعندما أخيرًا حصلت على وجبتها، ضمّت الطبق إلى صدرها كما يضم أحدهم كنزًا ثمينًا، وركضت عائدة، لا لتأكل أولاً، بل لتطمئن أن عائلتها ستأكل معها.
في تلك اللحظة، لم تكن مجرد طفلة من غزة، بل كانت رمزًا لكل من يحارب للبقاء وسط رماد الحرب. كانت دموعها رسالة للعالم بأن خلف الأرقام والإحصاءات وجوه وأحلام وقلوب صغيرة ما زالت تخفق بالأمل، رغم أن الطرق
إلى الطعام أصبحت أطول من الطرق إلى الخوف.