ضوء وسط الحصار.. أمل مُلوَّن في قلب الجراح

منوعات|2025/11/06
ضوء وسط الحصار.. أمل مُلوَّن في قلب الجراح
فلسطينية تنظر إلى رسومات معلقة على خيمة في غزة
  • الأطفال يرسمون الأمل رغم آلامهم الكبيرة
  • كل رسمة حكاية وطن تتحدث عن الأوجاع

في قلب الظلام الذي يخيّم على غزة، وبين جدران مدرسة تحوّلت إلى ملجأ يضيق بالنازحين، تنبثق من بين الركام ألوان خجولة تشق طريقها نحو الضوء. هنا، على جدران متعبة، تعلّق رسومات الأطفال والنساء، وكأنها شهقات صامتة تبحث عن حياة أخرى. تلك الأوراق الصغيرة لا تحمل مجرد خطوط وألوان، بل تحمل ما يفوق

اللغة والشرح؛ تحمل أرواحًا أرهقها الألم، وقصصًا تختبئ خلف أعين منهكة تعاند الانكسار.

اقرأ أيضاً : هنا غزة.. حين يصبح الحلم مجرد مساحة آمنة للجلوس

تلك الرسومات ليست مجرد تعبير فني، بل نافذة ضيقة تطل على حلمٍ لا يزال قيد الصمود. ففي كل لوحة، نرى ملامح بيتٍ فقد، وسماءٍ كانت يومًا زرقاء ولم تعد كذلك، وأمٍّ تحاول أن تحتضن العالم كله خوفًا على أطفالها. على وقع الجوع والحزن، تصبح الألوان وسيلة للنجاة، ومتنفسًا يخفّف عنهم ثقل الحياة التي ضاقت بما

رحبت. وكأنهم يقولون للعالم: “ما زلنا هنا… لم نُمحَ بعد”.

أما النساء، فقد أحطن تلك الرسومات بأمل يشبه شعاع الشمس حين يتسرّب رغم الغيوم. هنّ أدرى الناس بما يعني أن تعيش بروحٍ محطمة وجسدٍ مرهق، ومع ذلك يرسمْن زهورًا تنبت بين الأسلاك الشائكة، وأطفالًا يركضون نحو ضوء غير مرئي. في رسوماتهن، تتقاطع الدموع مع الشجاعة، وتلتقي الذاكرة مع الإصرار،

وكأن الفنّ يصبح اعترافًا بأن الإنسان قادر على الدفاع عن حياته حتى بالحبر واللون.

أما الأطفال، فكانوا الأكثر صدقًا. رسموا ما لا يستطيعون قوله. رسموا أصوات الطائرات التي أرعبتهم، ومشهد الغرفة التي لم تعد موجودة، والدمى التي تركوها خلفهم دون وداع. ورغم ذلك، لم تخلُ رسوماتهم من الشمس والحمامات البيضاء. هذا التناقض وحده كافٍ ليخبر العالم أن الطفل الفلسطيني، حتى في أقسى الظروف،

يصرّ على أن يترك في الورقة أثر حياة وليس أثر موت.

وفي النهاية، كل رسمة هنا ليست مجرد لوحة، بل شهادة على شعبٍ صاغ حياته من النضال. شعبٌ جرّب مرّ الفقد، لكنه ما زال يمسك بالأمل كمن يمسك بطوق نجاة في بحر عاصف. لكل رسمة حكاية يصعب وصفها بالكلمات، لأنها مرسومة بالنبض لا باليد، وبالوجع لا بالفرشاة. هنا، في هذا المعرض الصغير، نرى أن الفنّ ليس

ترفًا… بل آخر ما تبقى من القدرة على التنفّس.