غــزة.. أرض الدمع الصامت والقلب الصامد

Trending|03/07/25
غــزة.. أرض الدمع الصامت والقلب الصامد
فلسطينية تبكي بعد أن فقدت أفراد من عائلتها في قصف عنيف بالقطاع
  • احزان القطاع تتفاقم في وقت تزيد تل أبيب من وطأة الحرب
  • نزف مستمر وأوجاع ثقيلة تسيطر على القطاع

في القطــاع المحاصر، حيث السماء تُمطر نارًا، والأرض تضيق بمن عليها، لم تعد المشاهد التي تدمع لها العيون تُفاجئ أحدًا.

اقرأ أيضاً : حين تربّت الشمس على أكتاف غــزة

لقد أصبح البكاء لغة يومية، لا تُترجم إلى كلمات، بل تُكتب بدموع الأمهات، بارتعاش الأجساد، وبكاء الصامتين حين لا يسعفهم الكلام.

لم يعد أحد يسأل: من الذي مات؟ بل بات السؤال: من تبقّى؟

وسط هذا النزيف المستمر، ثمة نساء ينهضن كل صباح ليس للذهاب إلى العمل أو إعداد الفطور، بل ليحملن العالم بأسره فوق صدورهن المنهكة.

هن لا يرتدين دروعًا، ولا يحملن سلاحًا، لكنهن يخضن معارك من نوع مختلف. معركة ضد الانهيار، ضد الجوع، ضد الخوف، ضد خبرٍ قد يصل في أي لحظة، محمولًا على جناحي طائرة أو دوي انفجار.

المأساة تتكرر... لكن الوجع لا يعتاد

قد تعتاد الأذن صوت القصف، وقد تألف العين مشهد الدمار، لكن القلب، ذاك العضو الصغير الذي لا يظهر في الصور، لا يعتاد أبدًا.

هو الذي يبكي حين تجف الدموع، ويئن بصمت لا يسمعه أحد.

في مشهد لا تغفله عين، تقف امرأة على ركام منزلها، لا تبحث عن ممتلكات، بل عن جزء من ذاكرة... عن صورة، عن كتاب مدرسي مبلل، عن لعبة لطفلٍ لم يعد هنا، لا تصرخ، لا تنهار. فقط تنظر، كأنها تطالع أطلالًا من حياة

لم تكتمل.

وفي الخيام، تجلس أخرى تُهدئ طفلاً لا يعرف لماذا لا يعود والده، ولا يفهم لماذا لا يأكل إلا مرة واحدة في اليوم. تغني له نشيد النوم بينما قلبها يُغني نشيد الحداد.

تخيط ثيابًا ممزقة، تضع ماءً قليلاً على نارٍ خافتة، وتدعو الله ألا يأتي المساء محملاً بخبرٍ جديد.

الحزن لم يعد طارئًا... بل مقيم دائم

باتت النساء في القطاع يلدن أولادهن على عتبات الخوف، ويربينهن في كنف الجوع، ويدفنون أحلامهن مع كل من يرحل، لم يعد الحزن ضيفًا طارئًا، بل أصبح جزءًا من ملامحهن، من تجاعيد وجوههن، من الطريقة التي يُمسكن

بها أيدي أطفالهن، وكأنهن يحاولن تثبيتهم في الحياة قبل أن تقتلعهم يد الغدر.

إنها ليست دموعًا وحسب، بل وجعًا صافيًا، يفيض من العين لأنه لا يجد طريقًا آخر للخروج.

بكاءٌ خافت، لا يسمعه الإعلام، ولا تلتقطه الكاميرات، لأنه يحدث في لحظات الصمت، في عزلة القلب، في اللحظات التي تنتهي فيها الكلمات وتبدأ الحقيقة.

نساء من صلصال وألم

ورغم كل ذلك، لا ينكسرن، يُربّين، يُداوين، يُصلّين، يُعلّمن، ويُواصلن الغناء في الليالي الباردة. يوزعن رغيف الخبز على عشرة، وقطعة الحنان على مَن بقي حيًّا من الأسرة. يصنعن الحياة من المستحيل، ويمنحن العالم درسًا في

الصمود حين يفشل الجميع.

هؤلاء النساء لا يصنعن المعجزات، بل يَكُنّ المعجزة، ينحنين أمام الموت، لا هزيمةً، بل توقيرًا للحياة التي يحمينها.

هذا البكاء ليس ضعفًا... بل شهادة حياة

في عالمٍ تبلّدت فيه المشاعر، بات البكاء فعل مقاومة.

أن تبكي، يعني أنك ما زلت إنسانًا، أنك لم تتعود على الخراب، وأن قلبك لم يتحول إلى حجر.

لكن ما يُبكي في القطاع ليس فقط مشاهد الموت، بل صمت العالم، والخذلان، والمواعيد التي لا تأتي، والعدالة التي لا تصل.

نساء القطاع لا يحتجن الشفقة، بل من يسمع صوت بكائهن ويعترف بأنه صرخة إنسانية في وجه عالمٍ فقد إنسانيته.

أخبار ذات الصلة