أم تبكي بدموع محترقة... وركام غزة يردّد صداها

- القطاع المكلوم وجع جراحه بليغة
- الصبر والإرادة عنوانان لأهالي القطاع
في زاوية مكلومة من غزة، جلست سيدة تحت سماءٍ ملبّدة بالدخان، تحضن طفليها كمن يتمسّك بما تبقّى من الحياة. لم يكن بكاؤها عادياً؛ كانت دموعها تحترق وهي تنساب على وجهٍ أكلت الحرب ملامحه، حتى باتت كل دمعة
تظهر حريقا داخليا أشدُّ من القصف، كانت لا تبكي فقط، بل تذوب وجعًا، وكأن الدموع تخرج من قلبها لا من عينيها.
اقرأ أيضاً : أبطـــال غزة.. شعب لا ينحني والنصر وعدٌ قادم
طفلاها إلى جانبها، لا يدركان بعدُ معنى الموت، لكن ملامحهما كانت تنطق بخوفٍ فاق أعمارهم. الكبير يسألها بصوت متهدّج عن جدّه الذي لم يعد، والصغير يختبئ في حضنها من صوت الطائرات. كل سؤال، وكل رعشة، كانت
تطعنها بصمت. هي لا تملك جوابًا، فقط تضمّهم بشدة وكأنها تودّ أن تحميهم من العالم، وهي تدرك أنه لم يبقَ فيه من يَحمي.
في كل زاوية من جسدها حكاية تعب، وفي كل نظرة من عينيها مرآة لأحزان لا تنتهي. إنها لا تبكي على بيتٍ تهدّم فقط، بل على أمومةٍ صارت ثقيلة في زمنٍ لا يعرف الرحمة. بين الركام، بدت كمن يحمل الكون فوق كتفيه،
يتهاوى لكنه لا يسقط، لأنه ما زال هناك من يحتاج حضنه ليبقى واقفًا.
بكاؤها لم يكن مجرد حزن، بل شهادة حيّة على وجع أمّ تشققت روحها من فرط الفقد. كانت دموعها حارقة لأنها لم تخرج من عينٍ فقط، بل من قلبٍ أُتخم بالقهر، وأحلامٍ قُطعت قبل أن تنضج. هناك، في قلب العتمة، لا تُسمَع
صرخات الأمهات، لكنها تبقى أبلغ من كل خطاب، وأصدق من كل خبر.
وجع غزة صرخة للعالم
في قلب الكارثة الإنسانية المستمرة، تتألم غزة بصمت يصرخ في وجه العالم. الأطفال ينامون على أصوات القصف، والنساء يبحثن عن بقايا أمل بين الركام، والشيوخ يودّعون أحباءهم دون وداعٍ لائق. الوجع في غزة لم يعد مجرد
ألم، بل أصبح حياة يومية يعتادها الناس رغم قسوتها. كل زاوية في المدينة تحمل قصة نزف، وكل بيت يحكي عن فَقدٍ أو جوع أو خوفٍ لا ينتهي. غزة لا تحتاج فقط إلى مساعدات، بل إلى صحوة ضمير عالمي تُنهي هذا النزيف
المفتوح، وتعيد للناس حقهم في الحياة، بكرامة وسلام.