ماتت الدمية تحت الركام وبقي الجوع حيًا

- الجوع يُحاصر أهالي القطاع المكلوم
- أطفال غــزة قصة صمود أخرى
لم تكن تعي ما معنى الحرب، لكنها تعرف أنها السبب في خلوّ المطبخ من الطعام، وفي انطفاء الكهرباء لليالٍ طويلة، وفي ارتجاف الأرض كلّما صرخ الصاروخ من السماء.
كانت تجلس بصمت على عتبة باب مخلوع، تحت حائط نصفه مهدّم، تضمّ إلى صدرها قطعة قماش بالية، ليست دمية ولا وسادة، لكنها آخر ما تبقّى من عالمها القديم.
اقرأ أيضاً : نساء غــزة.. جبهات الصمود في وجه الجوع والقسوة
كل يوم، كانت تخرج في الصباح الباكر، قبل أن تبدأ الطائرات جولاتها اليومية، تمشي حافية، وخطواتها الصغيرة تغوص في التراب المخلوط بالحطام. وجهها شاحب، ونظراتها زائغة كأنها تبحث عن شيء فُقِد للأبد. تصل إلى
مركز التوزيع المؤقت، تنضم إلى طابور طويل من الصامتين، أطفال ونساء، كلهم يحملون عيونًا مبللة بالخوف، وأيادي فارغة إلا من الأمل.
الانتظار صار وطنًا آخر
تجلس أحيانًا في الزاوية، تراقب الحاويات المعدنية التي يتصاعد منها بخار قليل، وتنتظر أن ينادي أحدهم على رقمها، أو أن تفتح السماء فجأة وتُمطر خبزًا. الانتظار صار زمنًا لا يُقاس بالساعات، بل بخفقات الجوع في البطن،
وبعدد المرات التي تسعل فيها من البرد، أو من الدخان، أو من الخيبة.
الجوع أكبر من الجسد
لم يعد البكاء وسيلتها الأولى، بل صار الصمت درعها الوحيد. تعوّدت أن تنام دون عشاء، وأن تتظاهر بالشبع كي لا تُربك قلب أمها القلِق أصلًا. إذا ما جاءها الخبز، تحتفظ بنصفه في جيب ثوبها، لعل الليل يكون أطول من المعتاد.
لم تعد تسأل عن الأشياء التي تحبّها، ولا عن اللعب، ولا عن المدرسة التي تحولت إلى ركام. كل ما تريده: لقمة، ومكان آمن لا ينهار فوق رأسها.
طفولة لا يسمعها العالم
هناك آلاف مثلها، وجوه هزيلة تذبل على قارعة الوجود، لا تُعرض في نشرات الأخبار إلا كأرقام. لكن الجوع ليس رقمًا، والخوف ليس مجرد عنوان جانبي في تقرير سياسي. هناك من ينتظرون اليومَ بطوله ليأكلوا وجبة واحدة لا
تكفيهم، وهناك من يختبئون تحت الأدراج لا من أجل اللعب، بل من أجل النجاة.
النداء الأخير: ليس كثيرًا أن يعيشوا
في زمن تُرسل فيه الأغذية إلى الفضاء، ما زال أطفال غزة يتضوّرون جوعًا تحت السماء نفسها. ليست مطالبهم كبيرة: القليل من الطعام، القليل من الأمان، القليل من الضوء في ليلٍ ثقيل.
وليس كثيرًا على الضمير الإنساني أن يسمعهم، أن يرى وجوههم، أن يفتح عينيه على معاناة لا تُروى، بل تُعاش كل يوم.