تحت القصــف والخذلان.. أم تصنع معجزة البقاء

- القطاع بين الأنين والحنين
- تل أبيب تواصل سياستها الهمجية في القطاع
في قلب الركام، وسط أنقاض كانت ذات يوم مأوى دافئًا، تقف أم فلسطينية تحتضن صغيرها بقوة الحياة المتبقية في صدرها. يلتف جسدها المنهك حوله كحصن أخير، وكأنها تهمس للعالم بأسره: "لن تسقط الإنسانية ما دمتُ أنا واقفة."
اقرأ أيضاً : الشمس تحتضن غــزة... دفءٌ يمرّ فوق الأحزان بلا صوت
عينان غائرتان، مثقلتان بالسهر والخوف والجوع، تنظران إلى الأفق المحترق، تبحثان عن بقعة أمل في زمن انقرض فيه الأمان. وجهها مغطى بالغبار، وجسدها مبلل بالدموع، لكن قلبها لا يزال نابضًا بمعجزة الأمومة.
حولها تتناثر حجارة البيوت المنهارة، وتختلط رائحة الموت برائحة الخبز الغائب، والماء الذي صار حلمًا، والدواء الذي لم يعد يصل. الأطفال يئنّون من الجوع، الشيوخ يلفظون أنفاسهم بصمت، والعالم يتفرج.
ورغم المشهد الفادح، تواصل تل أبيب الانسلاخ عن إنسانيتها، متذرعة بالحق بينما تدوس عليه، تتحدث عن أمنها، فيما تحاصر قلوبًا جائعة، وتغتال براءة الطفولة، وتحوّل الحليب إلى دم، واللعب إلى قبور.
صمود جبال
لكن رغم كل هذا، لا يزال أهل غزة واقفين، لم تنكسر قلوبهم، ولم تخمد فيهم جذوة النضال، وفي كل خيمة نصبوها على عجل، في كل أنشودة مقاومة، في كل طفل يرفع يده للسماء بدلًا من الاستسلام—ينبت وعد بالحرية.
وفي خضم هذا الظلام، ينهض الصبر كجبل، لا تهزه العواصف. تتكئ الأمهات على إرادتهنّ كما يتكئ الجرح على الرجاء، ويصير الصبر هنا أكثر من فضيلة، بل هو سلاح يتوارثه الكبار للصغار، يربّونهم عليه كما يربّونهم على الحلم. كل لحظة نجاة هي
إعلان انتصار، وكل شهيق جديد هو مقاومة.
في غــزة، ليست القنابل وحدها من تقتل، بل المجاعة تفترس الصغار، والأمراض تنهش الجرحى، والعطش يطرق أبواب الأرواح المنهكة. إنها كارثة إنسانية يصعب أن تصفها الكلمات، ويعجز الخيال عن احتوائها.
وفي كل هذا السواد، تظل صورة تلك الأم، الواقفَة كجدار أخير، أقوى من كل دباباتهم، وأبلغ من كل بيانات الإدانات الباردة. إنها ليست مجرد أم، إنها رمز الصبر إذا نطق، والإرادة إذا تجسدت.