الحصول على الطحين انتصار صغير في معــركة الجوع

- المجاعة أرهقت أهل القطاع وأنستهم أحلاما من الأمل
- الحصول على طحين أثمن من الذهب في القطاع
لم يكن مجرد كيس طحين، كان شيئًا يشبه النور وسط عتمةٍ طويلة، كأن الزمن توقّف أمام هذا المشهد ليمنحه كل القداسة التي يستحقها، لأنه يستحقها.
اقرأ أيضاً : حين طرق الأمل الباب.. غزّيّ يحتضن طرد الحياة وسط رماد رفح
في غــزة، المدينة التي أنهكها القصف، وأرهقها الحصار، وصادرت المجاعة ملامح ناسها، صار الطحين أثمن من الذهب، وأقرب إلى المعجزة من أيّ معجزة.
عندما احتضن هذا الصبي كيس الطحين، كان كمن يحتضن وطنًا صغيرًا بحجم الرغيف، لم يكن بحاجة ليشرح شيئًا.
أجساد أضناها الجوع
العيون من حوله فهمت، والقلوب شعرت، والأجساد التي أضناها الجوع ارتجفت على وقع تلك اللقطة الصامتة.
المجاعة في القطاع ليست حدثًا عابرًا في نشرة أخبار، إنها حياة تنهار ببطء، أجساد تنكمش على بطون فارغة، أطفال ينامون على حلمٍ اسمه الخبز، وأمهات يكسرن قلوبهنّ كي يُشبِعنَ صغارهنّ بما تبقّى من الحب والدموع.
في الأزقة الضيقة، تُطبخ المياه أحيانًا بدل الحساء، ويُسكب الملح في الأطباق بديلاً عن الطعام، تُغلى أوراق الشجر، ويُخبز الرماد.
الأسواق فارغة، الطوابير طويلة، والقلوب أكثر فراغًا من الرفوف، تتقاسم العائلات كسرةً واحدة، وتنتظر أخرى لا تأتي.
إنها ليست فقط مجاعة، بل حــرب على الكرامة بشرف الشموخ الفلسطيني.
في القطاع، الجوع لم يعد شعورًا مؤقتًا، بل أصبح جلدًا ثانٍ يغلّف الأرواح، وندبةً على الوجدان، والوجوه الذابلة، والعيون الغائرة إلى الداخل، وأطفــال يولدون وهم جوعى، ويمشون في الحياة بأقدام هزيلة، يبحثون عن معنى للغد.
أجساد نحيلة تتآكل، لكن ما تبقى من العزة، لا يُؤكل، كيس الطحين ذاك، حمله الرجل كما يُحمل النور في ظلامٍ دامس ، ولم يكن فقط زادًا لخبزٍ محتمل، بل شهادة انتصار صغيرة في معركة التجويع.
ورغم أن الحصار لا يزال يطبق أنيابه على المعابر، والموت يلوّح من السماء، إلا أن لحظة الحياة تلك، كانت كافية لتقول للعالم: نحن لا ننهزم.
في القطاع، لا يُقاس الغنى بما تملك، بل بما تقاوم، والذين يُطعمون أبناءهم من فتات الأمل، يعرفون أن في الطحين المتواضع ما يُكفي لبناء صلاة، وكرامة، وغدٍ لن يُسرق.
حتى في ذروة المجاعة، يبقى القلب الغزيّ طازجًا كالرغيف، وساخنًا كالحب، وحيًّا كالحقيقة.